دفعتنا الظروف لنكون أبطالا في زمن عزت فيه البطولات. في كل يوم لنا غزوة أو غزوات. ما أن يدير أحدنا محرك السيارة إلا وقد ارتسم في الذهن مثار النقع فوق الرؤوس. يا لها من لحظات استثنائية نخرج منها وقد هدتنا وعثاء الطرق. شوارعنا يا سادة يا كرام تنطق عن الحال. شوارع تئن بحملها، وليس لها من حيلة إلا أن تسلمنا نفسها وعلينا أن نتدبر أمرنا. وهنا فقط تتحقق بطولتنا وإنجازاتنا العظيمة في الرجوع إلى بيوتنا ونحن على خير حال نتيجة لثلاث مشكلات أساسية. ويا للسخرية هي سبب بطولتنا!! فلو تم حل هذه المشكلات لفقدنا شرف البطولات الملحمية!!
إن قلت، أخي الكريم، مشكلتنا هندسية، فلن يجانبك الصواب. ذلك أن بعضا من مشكلاتنا المرورية نتجت عن أخطاء في تصميم شوارعنا، فتحات في غير مكانها، وميادين دائرية لا تستوعب أكثر من عشر سيارات، وأرصفة يوازي عرضها عرض بعض المسارات، وجسور تعلوها إشارات مرورية، وغياب المواقف في أغلب الشوارع التجارية التي تتراص فيها السيارات حتى تغلق المسارات الرئيسية. ويمكن القياس على ذلك. فالأخطاء الهندسية في التصميم تسبب ازدحاما غير مبرر، وتغلق الشوارع لمسافات بعيدة.
مشكلتنا كذلك مرورية. إن وقع حادث، فاسأل عن أي شيء إلا حضور رجل المرور ليخلصنا من ورطة الحادث، ويرحم عباد الله من التكدس خلف الحادث بانتظار فرج العبور. ولا أدري من زرع في أذهاننا مقولة لا تحرك السيارة من مكانها حتى يأتي رجل المرور الذي يشكل حضوره عيدا لأبطال الشوارع وليس أصحاب الحوادث فحسب. وحين يحضر يقول مخاطبا أصحاب الحادث دون أن يتمعن في كيفية وقوع الحادث: (حركوا سياراتكم حتى تعبر السيارات). تختنق الميادين المرورية ولا نجد رجل المرور حاضرا ليشهد بطولتنا في الكر والفر والتداخلات الاحترافية بين السيارات والأصوات المتعالية والأبواق الحادة والأعصاب المحترقة. مغامرة القيادة في شوارعنا غير، تستحق أن تذكر فتشكر، تتم بغير غطاء من المراقبة والمتابعة، بل كل سائق يخارج نفسه، وهو بنفسه أقدر من أكبر جهاز مروري في الخوض في معارك شوارعنا.
يضاف إلى ما تقدم، قلة الوعي والسلوكيات غير الحضارية وهي صفة يمكن أن تضاف على أخطاء هندسة الشوارع وغياب المتابعة والتنظيم المروري. بعض السائقين إن لم يكن معظمهم يفتقدون إلى السلوكيات الحضارية في التعامل مع الطريق. الشارع بالنسبة لهم حق مطلق، لذلك يأتون مسرعين، متجاوزين من يمين الشارع حتى يصل بهم الحال للسير على الأرصفة أو الخروج من المسار الأيمن والسير على كتف الطريق ليتقدموا على غيرهم عند الإشارة. أو قطع الإشارة أو الاستمرار في السير رغم بلوغها اللون الأصفر. أما الانحراف من مسار إلى آخر بطريقة مفاجئة فهذا من الأمور التي دأب عليها الكثير رغم خطرها البالغ. في نفس كل سائق تحد من نوع خاص، الأولوية له، والطريق حقه، والوقت ضده، وعلى الآخرين أن يفسحوا له الطريق وإلا. وإلا هذه هي التي تجعل قيادتنا للسيارات حربا على من عدانا، فبهذا المنطق الكل يردد لنا الصدر دون العالمين.
ألم أقل إن قيادة السيارة معركة أرضها الشارع، وخصمها تصميم الشوارع وغياب التنظيم المروري وسلوكنا غير الحضاري. نعم، نحن أبطال الشوارع إذ نخرج سالمين، نعود إلى بيوتنا لنرتاح من تعب معركة مضت، ونستعد لمعركة أخرى قادمة. تذكروا ما أقول: إن كان هناك جائزة عالمية يمكن أن نحصل عليها
ــ نحن أبطال الشوارع ــ فهي جائزة نوبل للسلام، فلا سلام يمكن تحقيقه مثل ما نحققه كل مساء عندما نعود لبيوتنا سالمين غانمين.
halnemi@gmail.com
إن قلت، أخي الكريم، مشكلتنا هندسية، فلن يجانبك الصواب. ذلك أن بعضا من مشكلاتنا المرورية نتجت عن أخطاء في تصميم شوارعنا، فتحات في غير مكانها، وميادين دائرية لا تستوعب أكثر من عشر سيارات، وأرصفة يوازي عرضها عرض بعض المسارات، وجسور تعلوها إشارات مرورية، وغياب المواقف في أغلب الشوارع التجارية التي تتراص فيها السيارات حتى تغلق المسارات الرئيسية. ويمكن القياس على ذلك. فالأخطاء الهندسية في التصميم تسبب ازدحاما غير مبرر، وتغلق الشوارع لمسافات بعيدة.
مشكلتنا كذلك مرورية. إن وقع حادث، فاسأل عن أي شيء إلا حضور رجل المرور ليخلصنا من ورطة الحادث، ويرحم عباد الله من التكدس خلف الحادث بانتظار فرج العبور. ولا أدري من زرع في أذهاننا مقولة لا تحرك السيارة من مكانها حتى يأتي رجل المرور الذي يشكل حضوره عيدا لأبطال الشوارع وليس أصحاب الحوادث فحسب. وحين يحضر يقول مخاطبا أصحاب الحادث دون أن يتمعن في كيفية وقوع الحادث: (حركوا سياراتكم حتى تعبر السيارات). تختنق الميادين المرورية ولا نجد رجل المرور حاضرا ليشهد بطولتنا في الكر والفر والتداخلات الاحترافية بين السيارات والأصوات المتعالية والأبواق الحادة والأعصاب المحترقة. مغامرة القيادة في شوارعنا غير، تستحق أن تذكر فتشكر، تتم بغير غطاء من المراقبة والمتابعة، بل كل سائق يخارج نفسه، وهو بنفسه أقدر من أكبر جهاز مروري في الخوض في معارك شوارعنا.
يضاف إلى ما تقدم، قلة الوعي والسلوكيات غير الحضارية وهي صفة يمكن أن تضاف على أخطاء هندسة الشوارع وغياب المتابعة والتنظيم المروري. بعض السائقين إن لم يكن معظمهم يفتقدون إلى السلوكيات الحضارية في التعامل مع الطريق. الشارع بالنسبة لهم حق مطلق، لذلك يأتون مسرعين، متجاوزين من يمين الشارع حتى يصل بهم الحال للسير على الأرصفة أو الخروج من المسار الأيمن والسير على كتف الطريق ليتقدموا على غيرهم عند الإشارة. أو قطع الإشارة أو الاستمرار في السير رغم بلوغها اللون الأصفر. أما الانحراف من مسار إلى آخر بطريقة مفاجئة فهذا من الأمور التي دأب عليها الكثير رغم خطرها البالغ. في نفس كل سائق تحد من نوع خاص، الأولوية له، والطريق حقه، والوقت ضده، وعلى الآخرين أن يفسحوا له الطريق وإلا. وإلا هذه هي التي تجعل قيادتنا للسيارات حربا على من عدانا، فبهذا المنطق الكل يردد لنا الصدر دون العالمين.
ألم أقل إن قيادة السيارة معركة أرضها الشارع، وخصمها تصميم الشوارع وغياب التنظيم المروري وسلوكنا غير الحضاري. نعم، نحن أبطال الشوارع إذ نخرج سالمين، نعود إلى بيوتنا لنرتاح من تعب معركة مضت، ونستعد لمعركة أخرى قادمة. تذكروا ما أقول: إن كان هناك جائزة عالمية يمكن أن نحصل عليها
ــ نحن أبطال الشوارع ــ فهي جائزة نوبل للسلام، فلا سلام يمكن تحقيقه مثل ما نحققه كل مساء عندما نعود لبيوتنا سالمين غانمين.
halnemi@gmail.com